محمد صلاح الذي لا ينصرنا)

 


بادئ ذي بدء؛ هذه مساحة هادئة كما يُحب محمد صلاح عَيش حياته، لمحاولة فَهم مواقف وطبيعة "مو" في اختيار معاركه ونظرته للإنسانية. قبل أنا أشرع في الكتابة ومن باب الفضول، سألت أحد أشهر مواقع الذكاء الإصطناعي: "من هو فخر العرب؟"، لم يتأخر عن ثانيتين وكتب لي: "اللاعب المصري محمد صلاح". كان ذلك ترجيحه بطبيعة الحال لكثرة ارتباط اللقب باللاعب بين موقع وآخر، ولذلك تظل نصف الحقيقة هي أن محمد صلاح هو الشخصية الأبرز والهامة على المستوى العربي والإسلامي في السياق الرياضي. وهذا بعيدًا عن آرائي أنا وأنتَ وأنتِ وأنتما وأنتم وأنتنَّ وهو وهي وهما وهم وهنَّ.. ثم إن نصفها الآخر يكمُن في أن صلاح هو مَن قدم نفسه لنا في ثوب "أخلاقي" وليس نحن من ألبسناه،.. في كل محفل يحمل المصحف بين يده، وفي زيارته لتل أبيب، رفض أن يُصافح لاعبي الفريق الإسرائيلي؛ بحجة ربط الحذاء التي بدت منطقية أمام جميع العرب، ثم في أخرى سجل هدفًا، حتى بدأت هتافات الجماهير الإسرائيلية ضده، وهو يُشير لهم بيده بطريقة استفزازية. وهو الذي بعد انتقاله إلى نادي "فيورنتينا" قرر أن يرتدي القميص رقم 74 تخليداً لشهداء بورسعيد. حينها وبتلقائية استحوذ على حُب وتأييد ملايين من الجماهير العربية لا المصرية فقط، وزادت أسهمه الشعبية، ليس لانه "حامي حمى الإسلام والدين".. لكن فقط "يُشبههم"! هذا قبل أكثر من ثمانية أعوام؛ نحن الآن أمام "مو" جديد في بريطانيا.. أكثر انفتاحًا على الثقافة الغريبة وأكثر صمتًا عن القضايا الإنسانية الإسلامية والعربية. لم يتأخر صلاح عن نعي ملكة بريطانيا، واصفًا "إرثها وخدمتها" بالراسخة!، متجاهلاً إرثها الاحتلالي لوطنه الأصلي. ثم في تغريدة أخرى، دعا للحفاظ على حقوق الحيوان.. وبعيدًا عن الأولويات هذا حق، لكن هل نحنُ أمام ناشط حقوقي أم لاعب كرة قدم يكتفي بالظهور أمام العالم لمدة تسعين دقيقة، أم شخص طبيعي ماهر في كرة القدم ويعبر عن رأيه في القضايا الرائجة؟ لذا القول بأن اللاعب هو مجرد "لاعب" قول ساذج، ليس مقارنةً بأبو تريكة أو النني أو أوزيل أو غيرهم.. لكنه قول عبثي في أصله أمام كل شخص يتبنى منظومة عقائدية أو أخلاقية أو إنسانية. ولا أعلم رد فعله أمام هذا الحجم من الطغيان والظلم والإرهاب، لو كان جبلاً لخر راكعًا وأناب! القائل: "لماذا كل هذا الاهتمام به؟" يضع عصابة على عينيه كما يفعل "مو" نفسه، وبعيدًا عن الكلمات المستهلكة عن أهمية وضرورة دعم المشهورين لقضايا المسلمين والعرب، محمد صلاح (وبلا فخر) هو أحد أقوى الأصوات الرياضية على مر التاريخ المعاصر! والقائل: "يعني محمد صلاح لو كتب تويتة القدس هتتحرر؟" ينتحر منطقيًا وهو لا يدري، اتخاذ المواقف بالقول أو الفعل مقصود به بالأساس الإيفاء للمنظومة الأخلاقية التي ينتمي الإنسان لها سواء كانت عقائدية أو أخلاقية مجردة من المفاهيم الدينية، والمسلم أفعاله مقصود بها التعبد لله ورجاء والأجر منه، ولا ينتظر النتيجة من وراءها. فكم من ملايين يكتبون الآن ويعلمون علم اليقين أن النصر ليس اليوم أو غدًا. ولكن من باب "خذل عنا إن استطعت". لذا عندما أكتب أن صلاح لا يمثلني فهو تمامًا يتسق مع مواقفه، ولا يحتاج المرء ليتبرأ من شخص أن يكون بالضرورة يُمثله في السابق. وتلك كلماتٌ شخصية: لا تجعل الدجالين ينهشون مِن عمرك ونفسك وعقلك وأخلاقك ومواقفك ما ينهشون؛ ليقولوا لك في نفسك وفي الحياة ضد ما قال باريها وباريك. حياة الإنسان مجموعة من التجارب والمواقف ليست فقط (فن اللا مبالاة)، هذه هي الدنيا.. لا تلبيسَ ولا تدليسَ، لا إبهامَ ولا إيهامَ، لا مُواراةَ ولا مُداراةَ!

تعليقات