وكيف اصبحت هيروشيما رمزا للسلام.

في صبيحة يوم 06 اوت عام 1945 رمت الطائرة الامريكية "اينولا جاي" على مدينة هيروشيما اليابانية جسم معدني طوله 3 أمتار وداخله 64 كغ من اليورانيوم .. هذا الجسم تمت تسميته بقنبلة الولد الصغير وهي أول قنبلة ذرية في التاريخ، وبعد القاء هذه القنبلة تغيرت الحياة في سابع اكبر مدن اليابان والتي اصبحت جزء من الجحيم، لتبدأ واحدة من أكبر المآسي في التاريخ والتي أطلقو عليها لقب مأساة "هيروشيما" .
في هذه الصبيحة المشؤومة كان أغلب سكان هيروشيما في الشارع فمنهم من هو ذاهب للعمل ومنهم من هو ذاهب للدراسة ومنهم من كان ينتظر غزو امريكي بري محتمل، بعضهم لمح الطائرة اينولا جاي وهي قاذفة من طراز B29 ولكن المشهد كان عادي فسماء هيروشيما دائما ماكانت تحوم فوقها طائرات حربية، فالأمر ليس مقلقا لأن صفارات الانذار من غارات العدو لم تدوي في المدينة!

هيروشيما كانت واحدة من المدن اليابانية التي لم تتعرض لاي غارات وهو ماجعل سكانها يتيقنون انها ستبقى آمنة، وأن قصفها هو امر مستحيل والسبب هو وجود عدد كبير من المهاجرين من اصل امريكي في هذه المدينة، لدرجة ان هناك اشاعات ظهرت تقول ان عمة الرئيس ترومان حينها كانت من هيروشيما ... وهو ما جعل السكان لا يهتمون بأمر هذه الطائرة!
في تمام الساعة 8 وربع سقط جسم غريب من هذه الطائرة على مستشفى اسمه "شيما" وفجأة إنطلق ضوء غطى كل مدينة هيروشيما، هذا الضوء كان ساطعا لدرجة ان الناجين الذين كانو على بعد 8 كم من الانفجار قالو انه وكأنهم ينظرون لشمس ساطعة امامهم!
وفي أقل من ثانية تتكون كرة نار قطرها اكثر من 250 متر ودرجة حرارتها بين 3000 و4000 درجة لهيبها كان يحرق كل شيء يقف أمامها، يُقال انها حرقت كل شخص كان موجود حينها في قطر 3200 متر من مكان الانفجار، لدرجة انها قتلت 70 ألف انسان أغلبهم مات دون ان يفهم سبب موته .. فالموت كان في لحظات معدودة.

البعض من هؤلاء الموتى تبخرو ولم يبق غير ظلهم في ظاهرة غريبة وفريدة ومرعبة والتي سميت بظاهرة الظلال النووية، مستشفى شيما الذي سقطت عليه القنبلة النووية تبخر ولم يبق منه اي شيء على الاطلاق ... بعد ظهور تلك الكرة النارية التي التهمت كل شيء اعقبتها موجة قوية جدا دمرت كل مبنى وقف امامها في محيط 2كم .. الموجة كانت قوية لدرجة ام البيوت البعيدة 16 كم تكسر زجاج نوافذها، اما الانفجار فقد احس به الناس على بعد 60 كم.
الاشخاص الناجين بعد الانفجار صادفتهم كتل المباني الملتهبة والتي يقال انها قتلت 30% من عدد الضحايا، وبعدها يعم السكون المدينة ولكن هذا الهدوء لم يكن سوى هدوء يسبق العاصفة .. لتنتشر بعدها النيران في كل انحاء المدينة نيران ساعد في انتشارها هبوب رياح قوية حينها، وفي اللحظات التي كانت فيها هيروشيما تحترق الألاف من الاشخاص بدأو في الخروج من تحت الانقاذ وكأنهم زومبي طالبين النجدة دون ان يستوعبو هذا الذي حدث معهم، حيث كان اجسادهم مشتعلة ورغبتهم الوحيدة هي الوصول لأحد الانهار القريبة من اجل تبريد اجسادهم المشتعلة ، ولكن عند وصولهم للانهار وجدوها ملتهبة وكأنها بركان بسبب الكتل المتطايرة داخلها بعد الانفجار الهأئل!
لقد كان منظر مرعب فالكل كان يستغيث ولكن حتى المنقذون كانو ضحايا لم يكن هناك اي شخص يستطيع المساعدة؛ وبعد ساعات بدأت الأمطار في الهطول على المدينة ، قد تخبرني ان هذا جيد للضحايا ولكني سأصدمك وأقول لك ان هذا عذاب جديد، يُقال انها اغرب امطار نزلت في التاريخ أمطار سوداء داكنة مشبعة بالرماد وذرات الاشعاع ، يعني مطر مشع وكأنه حمض، لدرحة انه سبب حروق على الاشخاص الذين سقط على اجسادهم.
ليبدأ سكان هيروشيما في الهرب لتلال المدينة من هذا الجحيم، عشرات الألاف من الاشخاص اثوابهم وجلودهم محروقة الكل كان مصاب ومصدوم، ومنهم حتى من كانو عراة يرفعون ايديهم للسماء تفاديا لتلامس جروحهم، المكان كان مكتظ والارض تحت اقدامهم كانت مليئة بالجثث في مشهد مرعب ومخيف.



في طوكيو لم يصلهم الخبر بعد ولم يفهمو ماذا حدث كل شيء مقطوع اتصلات وسائل نقل وغيرها، فأرسلو شخص لتقصي ماحدث بالضبط فأرسل لهم رسالة من جملة واحدة: أبيدت هيروشيما بالكامل وبقنبلة واحدة والمكان كله بحترق!
المسؤولون اليابانيون لم يفهمو الموضوع! كيف لقنبلة واحدة ان تبيد مدينة بالكامل!
بعد 17 ساعة ظهر الرئيس الامريكي هاري ترومان على التلفزيون معلنا إلقاء اول قنبلة ذرية في العالم على مدينة هيروشيما، حيث شرح لهم الموضوع وما تعنيه هذه القنبلة!
بعد وصول لجنة تحقيق يابانية لهيروشيما لم يفهمو شيئا من الذي حصل، فهم لم يجدو غير الرماد في هذا المكان، وبعد تقريرهم السلطات اليابانية انكرت الموضوع وقررت الصمود واكمال الحرب!

وبعد 72 ساعة من كارثة هيروشيما تحل كارثة اخرى على هذا الارخبيل اين اسقطت امريكا قنبلة ثانية على مدينة ناكازاكي، لتعلن بعدها مباشرة اليابان بشكل واضح استسلامها وخسارتها للحرب؛. الثريد راح يرجع بيكم لمدينة هيروشيما وتحديدا اليوم الثاني بعد القصف، النار هدأت والناس التي فرت بدأت بالرجوع حتى يسجلو شهادتهم عن المدينة التي اصبحت ساحة من الرماد!
كما كان هناك من عاد للبحث عن أهله وتقليب الجثث ولكن كان هناك فئة لا تريد شيء كل ما تريده هو فهم هذا الذي حصل معهم ماهو بالضبط؟ وبدأ كذلك الناس بالبحث عن الطعام والماء لدرجة أنهم كانو يشربون من الخزانات التي غرقت فيها الجثث، وكانو ايضا يقومون بدهن انفسهم بالزيوت ظنا انها ستخفف الامهم لدرجة انهم استخدمو زيوت السيارات وغيرها من الزيوت ولكن نهايتهم كانت واضحة!
وعلى بعد كيلومترات كان هناك مستشفى وحيد لم يتضرر كثيرا والذي كان يعمل به طبيب اسمه "ميشيكو هيتاشا" هذا الطبيب كان يدون في ملاحظات عن المرضى من اجل فهم هذا الذي حصل معهم، هذه الملاحظات كانت مهمة جدا لأنه من أصل 300 طبيب في المدينة لم ينجو سوى 28 وملاحظاتهم كانت مهمة جدا!

الطبيب الذي ذكرناه كان اول شخص رصد اعراض الاشعاع النووي على البشر، لانه لاحظ ان المصابين اصبحو يقضون حاجتهم اكرمكم الله عشرات المرات في اليوم، لدرجة ان هناك من كان يدخل الحمام 60 مرة! بالاضافة لهذا فإن فضلاتهم كلها كانت دم ولا احد فهم هذا الذي يحصل!
بعد اليوم الثاني بدأ اشخاص اخرون يصلون المستشفى وعليهم اعراض اخرى: حيث ظهرت عليهم بثور غريبة ولثة اسنانهم كانت تنزف دم، وهؤلاء نجو من القصف وكانت حروقهم بسيطة جدا وهناك حتى من لم يكن مصاب، وبعد ايام تطورت الاعراض وبدأت حرارتهم ترتفع مع اعياء جديد وقيئ دموي وبعد يوم او يومين كان هؤلاء المرضى يموتون!
الاطباء عجزو عن تشخيص هذه الحالات فهؤلاء نجو من القصف فلماذا كانو يموتون بهذه الطريقة المرعبة؛ وبعد ستة ايام بدأت تظهر أعراض جديدة بقع لونها بنفسجي على الجلد ولا تؤلم ولكنها مثيرة للحكة، وكل شخص ظهرت عليه هذه البقع كان يموت بعد يومين او ثلاثة..
هذه البقع جعلت الناس تعيش في رعب شديد حيث ان الغالبية كانت تبحث عن هذه البقع في اجسادها لان عدم ظهورها يعني يوما جديدا من الحياة، الدكتور هيتاشا دون في ملاحظاته ان القنبلة التي اسقطتها امريكا يمكن تكون سلاح كيماوي او جرثومي .. اذا اخبرتني ان الرئيس الامريكي اخبرهم بطبيعة القنبلة سأجيبك ببساطة.. هيروشيما هنا كانت معزولة عن العالم بسبب الكارثة وهو ماجعل سكانها لا يعرفون طبيعة القنبلة التي رميت عليهم .. ولكنهم عرفو ذلك بعد اسبوع!




بعد هذا اصبحت هيروشيما مدينة غير صالحة للحياة لمدة عشر سنوات .. هذه الكارثة المرعبة لم ترعب سكان هيروشيما فقط بل ارعبت حتى الامريكيين الذين لم يتوقعو هذا الدمار الهائل ولم تكن لديهم اي فكرة عن كمية الاشعاعات المنبعثة .. وعن الاعراض التي تخلفها وهل يمكن ان تنتقل او لا؟
سكان هيروشيما بدأو في الاعتياد على الاعراض المميتة وفهمها حيث انهم اكتشفو ان البقع البنفسجية المميتة ماهي الا نزيف داخلي بسبب الاشعاع وكانو عايشين في رعب كبير لان الاعراض تتطور وبعد اسبوع يظهر عرض جديد وهو تساقط شعر المصابين وموتهم بعد ايام من ظهور هذا العرض؛ لينتشر الرعب في هيروشيما لأن كل الاعراض الغريبة التي تظهر على السكان كانت تؤدي للموت.
وفي سبتمبر من تلك السنة اي بعد شهور وصل بروفيسور ياباني قام بالكثير من تجارب الاشعاع على الارانب، وقد طمع الاطباء في المدينة ان يكون لدى هذا البروفيسور علاج للمصابين، ولكنه يصدمهم بقوله: لا يمكننا تقديم شيء للمصابين سوى الراحة والاكل الجيد .. فالاكل الجيد كان امرا صعبا في مدينة على شفير المجاعة وكلعا اشعاعات .. والراحة هي امر من ضرب الخيال في مدينة اغلب سكانها تفحمو .. وهنا حتى اوضحلكم الصورة البروفيسور كان قصده: الاستسلام للموت!
بعدها بدأت المساعدات الغربية لدول الحلفاء تصل للمدينة ولكنهم وثفقو امرا غريبا يحدث فيها واطلقو عليه اسم طاعون القنبلة الذرية،. الامركيين كان عليهم ضغط كبير من كل دول العالم حينها صرح عدد من الجنرالات الامريكيين ان الاشعاع مؤقت وسينتهي بعد ايام، ولكن هذا لم يحدث!

الصحف اليابانية استمرت في نقل شهادات مرعبة من هيروشيما وهو ما ازعج الحاكم العسكري الامريكي لليابان والذي امر الصحف اليابانية بالكف عن الخوض في الموضوع ومنع اي وسيلة اعلامية من التحدث عن القنبلة واثارها، ليصل بعدها صحفي امريكي لليابان اين قام بكتابة تقرير من 45 الف كلمة عن الفاجعة وتم نشر التقرير المفصل في كل جرائد امريكا ... المفارقة العجيبة ان الشعب الامريكي كان يعلم بالتفصيل ماحدث في هيروشيما ولكن الشعب الياباني لم يكن يعلم بشيئ بسبب الحظر الصحفي من طرف الامريكيين.
عدة مخرجين وصحافيين يابانيين وثقو الدمار في فيديوهات ولكن تمت مصادرتها من الجيش الامريكي وتصنيفها في خانة اسرار الجيش الامريكي وبأنها أمور سرية للغاية ولا يجب على العالم معرفتها، كما تم تفكيك وحدة رايكن اليابانية التي كانت تدرس اثار الاشعاع والسبب هو منع تسليح اليابان في المستقبل فالامريكيين كان هدفهم عدم تشويه نصر امريكا العظيم، وعدم تشويه الاختراع المدهش الذي منحهم القوة المطلقة ومفتاح السيطرة على العالم.
وبعد مدة ومع بداية نسيان سكان هيروشيما للصدمة تدريجيا تظهر صدمة جديدة وهي اصابة السكان بالسرطان، فنسبة سرطان اللوكيميا او سرطان الدم ارتفعت 50 مرة ضعف المعدل الطبيعي، بالاضافة كذلك لعدة انواع اخرى من السرطانات، هذه الامراض فتكت بالالاف .. وحتى اضعكم في الصورة هيروشيما اثناء رمي القنبلة كان سكانها 340 الف وبعد رمي القنبلة مات من بين هذا التعداد مابين 100الف و140 الف شخص، هذا التقلص في عدد سكان جعل العديد من الاشخاص يهاجرون لهيروشيما من اجل فرص عمل حتى اصبح السكان الاصليون الذين عايشو القنبلة أقلية اُطلق عليها اسم "هيباكوشا".
هذه الاقلية التي عانت من اعراض نفسية وجسدية مريعة اصبح ينظر اليها من الاكثرية الجديدة التي قامت بإعمار هيروشيما بأنهم منبوذون، فلا احد يرتبط او يتزوج منهم ولا احد يشغلهم حيث كانو مرفوضين وممنوعين يدخلو أماكن عامة، وكانو ايضا يتفادون النظر اليهم لأن منظرهم مشوه ومثير للكآبة ..
النساء في هذه المدينة حرمو انفسهم من الخروج بسبب التشوهات ورفضو الانجاب خوفا من انجاب اطفال مصابين وعاشو في بيوتهم دون الخروج منها؛ اثر الاشعاع على السكان لم يكن جسدي فقط بل كان نفسي ايضا، حيث زادت حالات الانتحار بين الهيباكوشا بسبب عدم قدرتهم على تحمل الضغط النفسي والتأقلم من جديد.
ولعلمكم موت اي فرد من الهيباكوشا يعني نقل جثته لمختبر امريكي لدراسة اعراض الاشعاع في هيروشيما حيث يقومون بتجارب على جته، هذا جعلهم يحسون انهم مجرد فئران تجارب حينها.

لتبدأ بعدها حملة تعاطف عالمية مع المدينة والتي اصبحت رمزا عالميا اين تم التكفل ب6000 يتيم واجراء عمليات تجميل لفتيات يابانيات من هيروشيما بعد تشوه وجوهمم بالاضافة لحملات عدة !
ومع انتخاب شينزو هاماي كعمدة جديد لهيروشيما في افريل 1947 قرر هذا الاخير ان يجعل هيروشيما قضية عالمية اين قام بجمع 110 الاف توقيع للهيباكوشا السكان الاصليين لي حضرو الانفجار وهذا من اجل اخبار العالم بأضرار هذه القنبلة ومنع الدول من استخدامها مرة ثانية .. التوقيعات التي جمعها عمدة هيروشيما سلمها للامين العام للامم المتحدة لتصبح هيروشيما بعدها مدينة للسلام العالمي.
اين تم بناء حديقة السلام على المكان الذي سقطت فيه القنبلة وهي حديقة على امتداد 120 الف متر والتي تتوسطها قبة مبنى ناج من الانفجار الضخم والتي تعتبرها اليونيسكو تراث عالمي، بالاضافة لهذا هناك نصب تذكاري مكتوب فيه كل اسماء الاشخاص المعروفين لي ماتو ومدون عليه عبارة "ارقدوا في سلام هذا الحدث لن يتكرر ابدا".

تعليقات
إرسال تعليق